قال تعالى: ﴿هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السّحَابَ الثّقَالَ. وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ الرعد:(12-13).قال ابن كثير في تفسيره :"أي يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء، ولهذا تكثر في آخر الزمان". وقد روى ابن كثير في سبب نزول الآية ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا مرّة إلى رجل من فراعنة العرب، فقال: "اذهب فادعه لي"، فقال: يا رسول الله إنه أعتى من ذلك، قال: "اذهب فادعه لي"، قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله، قال: وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس؟ قال فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقال: قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، قال لي كذا وكذا، فقال: "ارجع إليه الثانية فادعه"، فرجع إليه، فعاد عليه مثل الكلام الأول، فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "ارجع إليه"، فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنـزل الله تعالى: "وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ". وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد: نـزلت هذه الآية والتي قبلها في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وذلك أنهما أقبلا يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال: "دعه فإن يرد الله به خيرا يهده"، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال: "لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم"، قال: تجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: "لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء"، قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟، قال: "لا"، قال: فماذا تجعل لي؟ قال: "أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها"، قال: أو ليس ذلك إلي اليوم؟ وكان أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرًا ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال: "اللهم اكفنيهما بما شئت"، فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هاربًا وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنها عليك خيلا جردًا وفتيانًا مردًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمنعك الله تعالى من ذلك وأبناء قيلة" -يريد الأوس والخزرج- فنـزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضمّ عليه سلاحه، فخرج وهو يقول: واللات والعزى لئن أصحر محمد إليّ وصاحبه -يعني ملك الموت- لأنفذنّهما برمحي، فلما رأى تعالى ذلك منه أرسل ملكًا فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت عظيمة كغدة البعير، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدّة كغدة البعير وموت في بيت السلولية، ثم مات على ظهر فرسه، وأنـزل الله تعالى فيه هذه القصة: "سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ " حتى بلغ "وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ". ويدخل ذلك في جملة قول الله تعالى بسورة الرعد"وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ" (الرعد:31)، حيث نقل ابن كثير –رحمه الله-عن ابن عباس-رضي الله عنه- قوله " تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ" قال عذاب من السماء منزل عليهم"، وقال القرطبي-رحمه الله-: أي داهية تفجؤهم بكفرهم ; وعتوهم ; ويقال : قرعه أمر إذا أصابه , والجمع قوارع ; والأصل في القرع الضرب أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو جدب , أو غير ذلك من العذاب والبلاء . والصاعقة Thunderbolt هي تفريغ كهربائي بين قاعدة غيمة رعدية ( مزن ركامي ) ذات شحنة كهربائية سالبة وسطح الأرض ذي الشحنة الكهربائية الموجبة . ومن الغريب أن عرض الصاعقة أقل من 2.5 سنتيمتر في حين بصل طولها نحو 50 كيلومترا ، وتؤدي عند حدوثها إلى رفع درجة حرارة الجو الذي تخترقه إلى أكثر من 30,000 درجة مئوية، مما يؤدي إلى تمدد الغاز بشكل هائل محدثا صوتا هائلا مدويا يتردد بين الغيوم المجاورة، ليتحول إلى رعد.وتحمل الصاعقة التي تضرب محملة بالشحنات السالبة 30 كيلو أمبير، وتنقل ما قيمته خمسة كولومات و 500 جول من الطاقة. والصواعق الشديدة للبرق من الممكن أن تحمل ما قيمته 120 أمبير و 350 كولوم، ويتناسب الجهد الكهربائي مع طول الصاعقة. أما الصاعقة التي تضرب محملة بالشحنات الموجبة فتحمل 300 أمبير من الطاقة الكهربائة، أي ما يساوي عشرة أضعاف متوسط اوترصد الأقمار الصناعية حوالي 100 ومضة برق في الثانية الواحدة، بمعدل سنوي يبلغ 1.4 بليون ومضة في العام، 80% منها يكون بداخل السحب، و20% بين السحابة والأرض، وهو ما يعرف بالصواعق. وبناء على المعلومات المستقاة من الأقمار الصناعية لوكالة ناسا والخاصة بالكثافة المكانية لحدوث ومضات البرق عالمياً خلال الفترة 1995م-2002م، والتي تظهرها الخريطة رقم() يتضح حدوث الومضات على سطح اليابسة بكثافة تفوق حدوثها على أسطح المحيطات؛ نظراً لانخفاض الحرارة النوعية لأسطح اليابسة مقارنة بالمحيطات، وما يترتب عليه من تسخين الهواء الملامس وما يعقب ذلك من تصعيد هوائي وعواصف رعدية وومضات برق . لصاعقة المحملة بالشحنات السالبة.كما تظهر الخرائط أن 70% من الومضات يحدث في النطاق المداري، ويتباين تكرار الحدوث من مكان لآخر، فأعلاه بالقرب من قرية كيفاكا Kifuka بجبال شرق جمهورية الكنغو الديموقراطية –ترتفع 975م عن مستوى سطح البحر- حيث تتلقى 158 صدمة برق بالكيلومتر المربع في السنة. وفي أعالي نهر كاتاتيمبو Catatumbo بفنزويلا يحدث البرق في 140-160 ليلة بالعام.وفي الولايات المتحدة الأمريكية تأتي منطقة وسط فلوريدا في طليعة المناطق، حيث يصيب منطقة تامبا Tampa –والتي تعرف بزقاق البرق Lightning Alley- بمعدل تكراره 50 ضربة في الميل المربع.وقد أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أن البرازيل التي تقع في المنطقة الاستوائية هي أكثر دول العالم إصابة بالصواعق، وقال اوسمار بينتو الباحث في مجموعة كهرباء الغلاف الجوي التي اشتركت مع المعهد البرازيلي لدراسات الفضاء في رسم خريطة للصواعق باستخدام بيانات الأقمار الصناعية أن البرازيل تضربها 70 مليون صاعقة سنويا أو ما يعادل صاعقتين أو ثلاث في الثانية الواحدة. ويموت حوالي مائة شخص في البرازيل سنويا بسبب اصابتهم بالصواعق. وتشكل هذه الحوادث عشر إجمالي الوفيات المرتبطة بحوادث الصواعق في العالم. كما تسبب الصواعق أضرارا سنوية تصل قيمتها إلى 200 مليون دولار .وتظهر إحصاءات الوفيات الناتجة عن الصواعق بالولايات المتحدة الأمريكية أنها هى الأعلى بين الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية الأخرى، حيث تتراوح بين 100 إلى 600 شخص سنوياً ، وتتسبب في جرح ما يتراوح بين 1000 إلى 1500 شخص سنوياً بجروح خطيرة. ويقع أغلب حالات الوفاة يقع بين الذكور في الفئة العمرية 15-44 سنة. وتركزت هذه الخسائر بشكل واضح بالجنوب والغرب الأوسط، وبصفة خاصة في فلوريدا وتكساس. وتشير إحصائيات اللجنة الوطنية الحكومية لإدارة الكوارث بكمبوديا إلى إن 93 شخصا قتلوا في عواصف برق العام الماضي أي أكثر من ضعف حصيلة 2007 التي بلغت 45 شخصا. وأكد نائب رئيس اللجنة أن أسباب ارتفاع حصيلة ضحايا البرق سنويا غير واضحة إلا أن تغير المناخ ربما يكون سببا في ذلك .وكثرة حدوث الصواعق في آخر الزمان هو مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل القوم، فيقول: من صعق قبلكم الغداة ؟ فيقولون:صعق فلان وفلان". مسند أحمد (3/65).وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بهذا الإسناد، ولفظه: قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، فيصبح القوم، فيقولون: من صعق البارحة ؟ فيقولون: صعق فلان وفلان".مسند أحمد (3/65). وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك أن لا تجدوا بيوتًا تكنكم؛ تهلكها الرواجف، ولا دواب تبلغوا عليها في أسفاركم؛ تهلكها الصواعق". رواه نعيم بن حماد في "الفتن". ولا شك أن الإنذار بكثرة الصواعق بين يدي الساعة فيه إلماحة لما سيطرأ على كوكب الأرض من تغيرات مناخية ظهرت بوادرها خلال العقد الأول من القرن الحالي، فقد نقلت وكالة أنباء نوفوستي الروسية أن حرارة الجو سجلت رقماً قياسياً مطلقاً في العاصمة الروسية هذا العام حين ارتفعت إلى مستوى 37.2 درجة مئوية، بينما الرقم القياسي المطلق السابق وهو 36.8 درجة مئوية كان قد سجل في عام 1920. $كما سجّلت رئاسة الأرصاد بالمملكة العربية السعودية رقماً قياسياً آخر بمدينة مكة المكرمة حين ارتفعت درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية تحت الظل، فيما سجلت 60 درجة مئوية تحت الشمس. والمؤمن يعبد ربه خوفاً وطمعاً ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا (24)﴾ ، يخاف البرق كصاعقة ويرجوه كسحابٍ مُمْطِر، ومثل هذه الظواهر وغيرها إنما تذكره بذكر الله، قال تعالى﴿وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ(13)﴾ وفي ذلك يكمن سر النجاة ، حيث أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يصيب ذاكراً"، وقال الأوزاعي كان ابن أبي زكريا يقول: من قال حين يسمع الرعد"سبحان الله وبحمده" لم تصبه صاعقة. ولعل كثرة من تصيبهم الصواعق في آخر الزمان يعود إلى قلة الذين يذكرون الله، حيث لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، وحيث لا يوجد على الأرض ذاكراً، لما أخرجه الأمام مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله". كما روى الأمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قال ربكم عز وجل لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما أسمعتهم صوت الرعد"رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.